فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (42):

{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)}
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} قال: شاطئ الوادي {والركب أسفل منكم} قال: أبو سفيان.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا...} الآية. قال: العدوة الدنيا: شفير الوادي الأدنى، والعدوة القصوى: شفير الوادي الأقصى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله: {والركب أسفل منكم} قال: كان أبو سفيان أسفل الوادي في سبعين راكباً. ونفرت قريش وكانت تسعمائة وخمسين، فبعث أبو سفيان إلى قريش وهم بالجحفة: إني قد جاوزت القوم فارجعوا. قالوا: والله لا نرجع حتى نأتي ماء بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {والركب أسفل منكم} قال: أبو سفيان وأصحابه مقبلين من الشام تجاراً لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بكفار قريش، ولا كفار قريش، بهم حتى التقوا على ماء بدر، فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأسروهم.
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله: {وهم بالعدوة القصوى} من الوادي إلى مكة {والركب أسفل منكم} يعني أبا سفيان وغيره، وهي أسفل من ذلك نحو الساحل {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أي ولو كان على ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما التقيتم {ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} أي ليقضي ما أراد بقدرته من اعزاز الإِسلام وأهله واذلال الكفر وأهله من غير ملأ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه، فأخرجه الله ومن معه إلى العير لا يريد غيرها، وأخرج قريشاً من مكة لا يريدون إلا الدفع عن عيرهم، ثم ألف بين القوم على الحرب وكانوا لا يريدون إلا العير، فقال في ذلك {ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} ليفصل بين الحق والباطل {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة} أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآيات والعبر، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.

.تفسير الآية رقم (43):

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إذ يريكهم الله في منامك قليلاً} قال: أراه الله إياهم في منامه قليلاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وكان تثبيتاً لهم.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن حيان بن واسع بن حيان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ورجع إلى العريش، فدخله ومعنا أبو بكر رضي الله عنه، وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله. هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} قال: لاختلفتم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولكن الله سلم} أي أتم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولكن الله سلم} يقول: سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد قللوا في أعيينا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا، بل مائة، حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه؟ قال: كنا ألفاً.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم} قال: حضض بعضهم على بعض.

.تفسير الآية رقم (45):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)}
أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدوّ وأسالوا الله العافية، فإن لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيراً، فإذا جلبوا وصيحوا فعليكم بالصمت».
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: ما من شيء أحب إلى الله من قراءة القرآن والذكر، ولولا ذلك ما أمر الله الناس بالصلاة والقتال: ألا ترون أنه قد أمر الناس بالذكر عند القتال فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون، عند الضراب بالسيوف.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، وانصافك من نفسك، ومواساة الأخ في المال.
وأخرج عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم ستبلون بهم وسلوا الله العافية، فإذا جاءوكم يبرقون ويرجفون ويصيحون بالأرض، الأرض جلوساً ثم قولوا: اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت، فإذا دنوا منكم فثوروا إليهم واعلموا أن الجنة تحت البارقة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال: وجب الانصات والذكر عند الرجف، ثم تلا {واذكروا الله كثيراً}.
وأخرج ابن عساكر عن عطاء بن أبي مسلم رضي الله عنه قال: لما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال ابن رواحة: يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك؟ قال «إنك قادم غداً بلداً السجود به قليل فأكثر السجود». قال: زدني. قال: «اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب». قال: زدني. قال: «يا ابن رواحة فلا تعجزن إن أسأت عشراً أن تحسن واحدة». فقال ابن رواحة رضي الله عنه: لا أسألك عن شيء بعدها.
وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثِنيتان لا تردان، الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الصوت عند القتال».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يستحبون خفض الصوت عند ثلاث. عند القتال، وعند القرآن، وعند الجنائز.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره رفع الصوت عند ثلاث. عند الجنازة، وإذا التقى الزحفان، وعند قراءة القرآن».

.تفسير الآية رقم (46):

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} قال: يقول: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وتذهب ريحكم} قال: نصركم، وقد ذهب ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وتذهب ريحكم} قال: الريح النصر، لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ، وإذا كان كذلك لم يكن لهم قوام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند القتال لم يقاتل أول النهار وآخره إلى أن تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)}
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس} يعني المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله تعالى {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً} قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: «كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر، وقد قيل لهم يومئذ: ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم، فقالوا: لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا، وذُكِرَ لنا أن نبي الله قال يومئذ: اللهم إن قريشاً قد أقبلت بفخرها وخيلائها لتجادل رسولك، وذكر لنا أنه قال يومئذ: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم...}».

.تفسير الآيات (48- 49):

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}
أخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} قال: قريش يوم بدر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان {لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} وأقبل جبريل عليه السلام على إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين فلما رأى جبريل انتزع يد، وولى مدبراً هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة انك جار لنا؟! فقال: {إني أرى ما لا ترون} وذلك حين رأى الملائكة {إني أخاف الله والله شديد العقاب} قال: ولما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين فقال المشركون: وما هؤلاء {غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم}.
وأخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما تواقف الناس أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سري عنه فبشر الناس بجبريل عليه السلام في جند من الملائكة ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر ميسرة، وإسرافيل في جند آخر ألف، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يجير المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، فلما أبصر عدوّ الله الملائكة {نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} فتشبت به الحارث، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال: يا رب موعدك الذي وعدتني.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن رفاعة بن رافع الأنصار رضي الله عنه قال: لما رأى إبليس ما يفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك، فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هارباً حتى ألقى نفسه في البحر، فرفع يديه فقال: اللهم إني أسألك نظرتك إياي.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [ القمر: 45] فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أي جمع يهزم؟!- وذلك قبل بدر- فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتاً بالسيف ويقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} فكانت بيوم بدر، فأنزل الله فيهم {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} [ المؤمنون: 24] الآية.
وأنزل الله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً} [ إبراهيم: 28] الآية. ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعهم الرمية، وملأت أعينهم وأفواههم حتى أن الرجل ليقتل وهو يقذي عينيه وفاه، فأنزل الله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [ الأنفال: 17] وأنزل الله في إبليس {فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} وقال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر {غر هؤلاء دينهم} فأنزل الله: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {إني أرى ما لا ترون} قال: أرى جبريل عليه السلام معتجراً بردائه يقود الفرس بين يدي أصحابه ما ركبه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إني أرى ما لا ترون} قال: ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة، وقال: {إني أخاف الله} وكذب عدو الله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوّة له به ولا منعة له.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال: ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك، فأنكر أن يكون شيء من ذلك.
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عبادة بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان الذي رآه نكص حين نكص الحارث بن هشام، أو عمرو بن وهب الجمحي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إذ يقول المنافقون} قال: وهم يومئذ في المسلمين.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي رضي الله عنه قال: هم قوم كانوا أقروا بالإِسلام وهم بمكة، ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا المسلمين قالوا {غر هؤلاء دينهم}.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في الآية قال: كان أناس من أهل مكة تكلموا بالإِسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا وفد المسلمين قالوا {غر هؤلاء دينهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق رضي الله عنه في قوله: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} قال: هم الفئة الذين خرجوا مع قريش، احتبسهم آباؤهم فخرجوا وهم على الارتياب، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا {غر هؤلاء دينهم} حين قدموا على ما قدموا عليه من قلة عددهم وكثرة عدوّهم، وهم فئة من قريش مسمون خمسة: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان، والحارث بن زمعة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه.